سلسلة قصص روحية
138. الأن رايته
المكان ، بقعة ما من شاطئ
البحر أما عن الزمان فلا يمكنني أن أنسى منظر الشمس الذهبية الذائبة في المياه عند
الغروب . كنت أجلس وحدي على صخرة كبيرة لا أرى أمامي سوى الرمال و المياه والسماء
، لا أكثر و لا أقل . لا أسمع سوى صفير الريح و صوت تحطم الأمواج المتلاحقة على
الشاطئ التي يبدو و كأنها لا تسأم هذا النمط المتكرر منذ بدء الخليقة و حتى يومنا
هذا ، و لا أعتقد إنها ستتوقف عنه يوما ما . هدوء و سكون لا أعتقد إنني سأتعرض
لهما مرة أخرى أبدا ، على الأقل طوال حياتي ، ربما بعد انتقالي إلي السماء أيضا !
لست أدري !
و لكني لم أكن أشعر بهذا
الهدوء ، ففي بقعة ما في داخلي و في أعمق أعماقي عقلي كان ينطلق صخب هائل يملأ كل
كياني و يتغلغل في أنفاسي ، صخب يمثله سؤال واحد . نعم سؤال واحد ! حتى إني كنت
أتصور إن الدنيا كلها تسمع تساؤلي بل و تردده ورائي :أين أنت ؟ أين أنت يا الله ؟
أبن أنت ؟ فكنت أشخص ببصري إلي السماء قائلا : أنت حقا في السماء ؟ و لكن ماذا عن
الأرض ؟ نعم أنت موجود في كل مكان ، فالسماء والأرض مملوءتان بمجدك و بهاءك و
سلطانك ، فالسماء تسبح بعمل يديك و الفلك يخبر بمجدك . و لكني أريد أن أراك ،
فلماذا لا تجعلني أراك لقد قلت لموسى في القدم : لأن الإنسان لا يراني و يعيش .
أما في عهد النعمة فأنت قد تنازلت و تجسدت و كل الناس رأتك .
إني
أسمع عن أناسا قديسين رأوك و سمعوك ، فلماذا لا أكون مثلهم . أليست لي نفس هي
الأخرى عزيزة لديك . نعم أنا أعرف إنها نفس خاطئة و لكنك قلت أن السماء تفرح بخاطئ
واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون إلي التوبة . و أخذت أصرخ : يارب
أريد أن أسمعك ، أن أكلمك ، أريد أن أراك ، أريد أن .....
و فجأة ، فوجئت بهذا الصوت يخترق عقلي و يتسرب داخلي و
يتغلغل في أنفاسي . أهو ضميري الذي استيقظ
من سبات عميق طال رقادي فيه ؟ أم هو ملاكي الحارس يصرخ بي ؟ أم هي نفخة الروح
القدس التي بداخلي ؟ لا أعرف .
و لكنه صوت قوي حنون يسألني : " أتريد أن تراني
" .
- نعم إذا كنت
أنت الرب .
- انطلق .
- ماذا ؟
- انطلق ، تخلص من إنشغالاتك و تحرر من قيودك . كيف
تراني و أنت بعيد عني ؟ كيف تراني و ذهنك مشغول عني . هيا انطلق ، أنسى العالم و
اترك شهواته .... دوس عليها بقدميك و ارفع عيونك إلي و أنت تراني .
و فيما هو يقول هذا و جدت نفسي فجأة أتخلص مما حولي .
فلم يعد هناك شاطئ و لا رمل و لا مياه ، لم يعد هناك قيود تقيدني بهذا العالم ،
وجدت نفسي أتحرر من الأغلال التي تقيدني إلي الأرض . نعم أصبحت في مكان لا يبعث في
نفسي سوى الراحة و الفرح ، يجلس أمامي شخص هو قمة الجمال و البهاء ، لم أكد أبصر
الثقوب في يديه و رجليه و الجروح الغائرة في رأسه و الطعنة النافذة في جنبه ، حتى
تعرفته . إنه هو المسيح ، إنه هو رب
المجد ، إنه من اشتاقت إليه نفسي ، إنه هو
من تغنى داود الملك ببهائه و حسنه و رحمته ورأفته في العهد القديم . إنه الرب
الشافي الحنون المصلوب على الصليب و القائم من الأموات في العهد الجديد .
وجدت نفسي أرتمي في حضنه و التصقت به حتى صرنا شبه جسد
واحد . مضى وقت ، ليس بقليل ، و نحن على هذا الحال و لو سألتني عن شعوري وقتها لقلت لك : لولا إنه لمسني من كتفي و
جعلني أقف أمامه برفق ، لكنت حتى الآن بين ذراعيه . و لو كانت الحياة الأبدية بمثل
هذه الروعة ، فأنا مستعد لأن أضحي بأي شيء في العالم لأنالها .
خرج من بين شفتيه صوت هو أعذب ما سمعت ، و أطلت من عينيه
نظرة هي أجمل ما رأيت و قال : ها قد رأيتني و ها نحن قد التقينا ، هل تشعر الآن
بروعة التخلص من قيود العالم .
- و أي روعة .
- هل تشعر ببهجة اللقاء .
- و هل تماثلها بهجة .
- هل تشعر بقوة روحك و قدرتها على سحق إبليس وجنوده .
- لو شعرت بها من قبل لما سقطت .
- و هل تشعر بتجدد
نفسك بعد هذه الرؤية .
- حقا يارب تجدد كالنسر شبابي .
و لكني لاحظت إن صوته صار يبتعد رويدا رويدا ، حتى أنا
صرت أصرخ لكي يسمعني ، و وجدت نفسي أبكي كالطفل و أقول : لا يارب ، أريد أن أبقى
بجانبك ، تحملني بذراعيك كأب يحمل ابنه ، تحفظني بحضنك فلا أعطش و لا أجوع ثانية .
أريد أن أراك دوما يارب ، فلا تفارق صورتك عيناي و لا يفارق صوتك أذناي و لا يفارق
أسمك شفتاي .
فقال لي : لا تخف ، ستجدني دوما ، فصوتي ستسمعه دوما في
إنجيلك . أما اسمي فتستطيع أن تردده في صلاتك ، أما عن صورتي فأنا موجود بشخصي كل
يوم على المذبح . فمتى تأكل جسدي الذي صلب عنك و متى تشرب دمي الذي سفك ليخلصك ،
سأسكن فيك و أنت في و ستتمتع بي في الحياة الأبدية .
_____________
للأشتراك معنا على قناة
اليوتيوب لكى تتابعوا الفيديوهات اليومية الجديدة ،، أدخل على هذا الرابط واضغط
على كلمة (Subscribe)
صفحة القديسة مريم المصرية
السائحة
No comments:
Post a Comment